خطبة الجمعة القادمة : رمضان شهر القرآن ، للدكتور خالد بدير
خطبة الجمعة القادمة 16 أبريل 2021م : رمضان شهر القرآن ، للدكتور خالد بدير ، بتاريخ: 4 رمضان 1442هـ – 16 أبريل 2021م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 16 أبريل 2021م ، للدكتور خالد بدير : رمضان شهر القرآن:
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 16 أبريل 2021م ، للدكتور خالد بدير: رمضان شهر القرآن ، بصيغة word أضغط هنا.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 16 أبريل 2021م ، للدكتور خالد بدير : رمضان شهر القرآن ، بصيغة pdf أضغط هنا.
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف
للمزيد علي قسم خطبة الجمعة القادمة
عناصر خطبة الجمعة القادمة 16 أبريل 2021م ، للدكتور خالد بدير : رمضان شهر القرآن : كما يلي:
أولًا: علاقة شهر رمضان بالقرآن
ثانيًا: تعاهد القرآن واستذكاره
ثالثًا: التأثُّر بقراءة القرآن وتدبر معانيه
رابعًا: العمل بالقرآن
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 16 أبريل 2021م ، للدكتور خالد بدير : رمضان شهر القرآن : كما يلي:
الحمد لله رب العالمين القائل: { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ}. (البقرة: 185). وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد:
أولًا: علاقة شهر رمضان بالقرآن
عباد الله: لقد أكرم الله نبيه صلى الله عليه وسلم بالقرآن المعجزة الخالدة ؛ ولشهر رمضان المبارك علاقة وطيدة بهذا الكتاب الخالد ؛ فنحن جميعًا نعلم أن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان يتعبد في غار حراء فنزل عليه جبريل – عليه السلام – بصدر سورة العلق؛ وكان ذلك في شهر رمضان؛ كما قال بذلك أكثر المفسرين؛ يقول ابن كثير عند تفسيره لسورة القدر: ” يخبر الله تعالى أنه أنزل القرآن ليلة القدر، وهي الليلة المباركة التي قال الله، عز وجل: { إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ } [ الدخان: 3 ] وهي ليلة القدر، وهي من شهر رمضان، كما قال تعالى: { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزلَ فِيهِ الْقُرْآنُ } [ البقرة: 185 ] . قال ابن عباس وغيره: أنزل الله القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العِزّة من السماء الدنيا، ثم نزل مفصلاً بحسب الوقائع في ثلاث وعشرين سنة على رسول الله صلى الله عليه وسلم . ” أ.ه
وكان النبي – صلى الله عليه وسلم – شديد العناية بحفظ القرآن، حريصًا على تلقفه من جبريل عليه السلام؛ حتى بلغ من شدة عنايته به، وحرصه عليه أنه كان يحرك به لسانه أكثر من المعتاد عند قراءته، خشية أن تفلت منه كلمة، أو يعزب عنه حرف حتى طمأنه ربه، ووعده أن يحفظه له في صدره، وأن يُقرِأَهُ لفظه، وأن يفهمه معناه وتفسيره. فأنزل عز شأنه قوله: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ} [القيامة: 16- 19]. وقد كان جبريل – عليه السلام – يدارس القرآن لنبينا – صلى الله عليه وسلم – في شهر رمضان ؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: ” كَانَ يَعْرِضُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرْآنَ كُلَّ عَامٍ مَرَّةً ؛ فَعَرَضَ عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ فِي الْعَامِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ “. (البخاري). فالقرآن خيرٌ في كل أحواله: نزل جبريل بالقرآن فأصبح جبريل خير الملائكة ؛ ونزل القرآن على سيدنا محمد فصار سيد الخلق؛ وجاء القرآن إلى أمة محمد فأصبحت خير أمة؛ ونزل القرآن في شهر رمضان فأصبح خير الشهور ؛ ونزل القرآن في ليلة القدر فأصبحت خيرًا من ألف شهر؛ فماذا لو نزل القرآن في قلوبنا ؟!! ومن هنا كانت علاقة شهر رمضان بالقرآن علاقة قوية؛ حيث نزوله في هذا الشهر المبارك ؛ ومدارسة جبريل عليه السلام للرسول صلى الله عليه وسلم .
ثانيًا: تعاهد القرآن واستذكاره
فقد حث الرسول صلى الله عليه وسلم على تعاهد القرآن الكريم وضرب لذلك مثلًا رائعًا. فعَنْ أَبِي مُوسَى؛ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:” تَعَاهَدُوا هَذَا الْقُرْآنَ فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَهُوَ أَشَدُّ تَفَلُّتًا مِنْ الْإِبِلِ فِي عُقُلِهَا.” (مسلم)؛ وعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:” إِنَّمَا مَثَلُ صَاحِبِ الْقُرْآنِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الْإِبِلِ الْمُعَقَّلَةِ إِنْ عَاهَدَ عَلَيْهَا أَمْسَكَهَا وَإِنْ أَطْلَقَهَا ذَهَبَتْ”( البخاري) ؛ قال الحافظ ابن حجر في الفتح: “ما دام التعاهد موجودًا فالحفظ موجود ، كما أن البعير ما دام مشدودًا بالعقال فهو محفوظ ، وخصّ الإبل بالذكر لأنها أشد الحيوان الإنسي نفورًا ، وفي تحصيلها بعد استكمان نفورها صعوبة.”أ.ه وقال ابن عبد البر في الاستذكار: ” في هذا الحديث الحض على درس القرآن وتعاهده والمواظبة على تلاوته والتحذير من نسيانه بعد حفظه”.
فينبغي على كل مسلم أن يجعل له وردًا ثابتًا كل يوم من القرآن في رمضان وغير رمضان؛ فكما أن الإنسان لا يستطيع أن يعيش بدون طعام أو شراب؛ فكذلك لابد له من غذاءٍ روحي يومي ألا وهو القرآن!! وأنا أسألك أيها القارئ الكريم: أتذكُر آخر مرة ختمت فيها القرآن؟! أخشى أن تكون ختمة رمضان الماضي؟!.. وأن يكون مصحفك قد وُضع على الرف بعد رمضان أو على طبلوه السيارة وعلاه التراب!!.. واحذر أن يشهد عليك القرآن أنك هجرته يوم القيامة!! وماذا تفعل لو لم تقرأ وردك اليومي؟!
عباد الله: تعالوا لنرى حال الصحابة مع القرآن؟!! فبعضهم كان إذا فاته ورده يبكي.. فقد دخلوا على أحدهم ذات مرة فوجوده يبكي بشدة، فسألوه: أتشتكي وجعًا؟ قال: أشد.. أشد، قالوا: وما ذاك؟ قال: نمتُ بالأمس ولم أقرأ وردي، وما ذلك إلا بذنب أذنبته!! وروي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ قلتُ: يا رسولَ اللهِ في كم أقرأُ القرآنَ ؟ قال: اقرأهُ في كلِّ شهرٍ قال : إني أقوَى على أكثرَ من ذلك قال : اقرأهُ في خمسٍ وعشرينَ . قلتُ : إني أقوَى على أكثرَ من ذلك . قال : اقرأهُ في عشرينَ . قال : قلتُ : إني أقوَى على أكثرَ من ذلك . قال : اقرأهُ في خمسِ عشرةَ . قال : قلتُ : إني أقوَى على أكثرَ من ذلك . قال : اقرأهُ في سبعٍ . قال : قلتُ : إني أقوَى على أكثرَ من ذلك قال : لم يفقهْ من قرأَ القرآنَ في أقلِّ من ثلاثٍ ” ( أحمد والترمذي وحسنه).
قارن بين هذه العزيمة والحيوية من هذا الصحابي الجليل؛ وبين حالنا اليوم مع القرآن!! إنّ كثيرًا من الناس – للأسف- يقضون أوقاتًا طويلةً في تصفح شبكة الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي .. وقد يقومون ليلهم مع الفيس بتلهف واهتمام! فلماذا لا يحظى كتاب الله ولو بمثل هذا الاهتمام؟!
أحبتي في الله: اعلموا أن نسيان القرآن وعدم تعاهده واستذكاره من أعظم الذنوب عند الله ؛ فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” عُرِضَتْ عَلَيَّ أُجُورُ أُمَّتِي حَتَّى الْقَذَاةُ يُخْرِجُهَا الرَّجُلُ مِنْ الْمَسْجِدِ؛ وَعُرِضَتْ عَلَيَّ ذُنُوبُ أُمَّتِي فَلَمْ أَرَ ذَنْبًا أَعْظَمَ مِنْ سُورَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ آيَةٍ أُوتِيهَا رَجُلٌ ثُمَّ نَسِيَهَا.” ( أبو داود والترمذي) ؛ قال القرطبي :” من حفظ القرآن أو بعضه فقد علت رتبته فإذا أخل بهاتيك المرتبة حتى خرج عنها ناسب أن يعاقب؛ فإن ترك تعاهد القرآن يفضي إلى الجهل؛ والرجوع إلى الجهل بعد العلم شديد؛ وقال: أوتيها ولم يقل حفظها لينبه على أنها كانت نعمة عظيمة أولاها الله إياه ليقوم بها ويشكر موليها فكفرها؛ وفيه أن نسيان القرآن كبيرة ولو بعضا منه؛ وهذا لا يناقضه خبر : رفع عن أمتي الخطأ والنسيان؛ لأن المعدود هنا ذنبا التفريط في محفوظه بعدم تعاهده ودرسه.”( فيض القدير – للمناوي) .
ثالثًا: التأثُّر بقراءة القرآن وتدبر معانيه
فيجب على المسلم أن يتأثَّر بالقرآن عند تلاوته ويتفاعل معه فيضطرب أو يهتز قلبه، ويشعر كأنّ القرآن يتنزل عليه هو في قراءته، كما حكى الشاعر الكبير محمد إقبال قال: كان أبي يقول لي: يا بني اقرأ القرآن وكأنّما عليك أنزل! وبهذا يذوق المسلم حلاوة القرآن ويستشعر عظمته.
وهذا هو الرسول الأكرم والمعلم الأعظم يضرب المثل والقدوة في التأثير بالقرآن والتعايش مع آياته الكريمة، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” اقْرَأْ عَلَيَّ؛ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ آقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَقَرَأْتُ سُورَةَ النِّسَاءِ حَتَّى أَتَيْتُ إِلَى هَذِهِ الْآيَةِ:{ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا }؛ قَالَ: حَسْبُكَ الْآنَ فَالْتَفَتُّ إِلَيْهِ فَإِذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ” (البخاري)؛ أي: يبكي صلى الله عليه وسلم من التأثر بالقرآن والتعايش معه؛ إذ علم أنّه صلى الله عليه وسلم المقصود والمعني بهذه الآية. وعَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: ” أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي وَلِجَوْفِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ الْمِرْجَلِ يَعْنِي يَبْكِي”( أحمد وأبو داود النسائي) ؛ أي: أنّه صلى الله عليه وسلم كان يحدث مثل الهزة عند القراءة لشدة تأثُّره بها، وأزيز المرجل هو صوت الإناء الذي يغلي به الماء!!
وقد امتثل الصحابة الكرام بهذا الأدب مع القرآن؛ فهذا أبو بكر رضي الله عنه لا تُفهم قراءته في الصلاة من شدة البكاء ؛ وليس معنى ذلك أن عمر لا يبكي تأثرًا بالقرآن!! بل تضافرت الآثار أنه رضي الله عنه كان شديد التأثر بالقرآن؛ قال الحسن: كان عمر رضي الله عنه يمر بالآية من ورده بالليل فيبكي حتى يسقط على الأرض، ويبقى في البيت يعاد للمرض. فقد روي أن عمر رضي الله عنه خرج يَعِسّ المدينة ذات ليلة، فمر بدار رجل من المسلمين، فوافقه قائمًا يصلي، فوقف يستمع قراءته فقرأ: { والطور } حتى بلغ { إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ } قال: قسم -ورب الكعبة-حق. فنزل عن حماره واستند إلى حائط، فمكث مليًا، ثم رجع إلى منزله، فمكث شهرًا يعوده الناس لا يدرون ما مرضه، رضي الله عنه.”( تفسير ابن كثير ).
وليس الأمر قاصرًا على الرجال؛ بل ما أجمل تأثر الصحابيات بالقرآن الكريم!! فعن عباد بن حمزة عن أبيه قال: بعثتني أسماء إلى السوق؛ بعثتني وافتتحتْ سورة الطور؛ فانتهتْ إلى قوله تعالى {ووقانا عذاب السموم}، فذهبتُ إلى السوق وهي تكرر {ووقانا عذاب السموم}، وعدتُ إليها وهي تقول {ووقانا عذاب السموم}!!
فهناك تفاعل مع الآيات بالبكاء والتأثر بالقرآن؛ وأنا أسألك – أخي القارئ العزيز – هل بكيت وأنت تقرأ القرآن ذات مرّة؟! هل شعر أحد منكم بلذة القرآن وحلاوته؟! هل دخل أحدكم مرة في صلاة القيام وكان ينوي أن يصلي بربع فإذا به لا يستطيع مقاومة حلاوة القرآن فقرأ أكثر من ذلك واستمتع بالقرآن ومناجاة الرحمن؟!
إن القلب إذا قسا – والعياذ بالله – لا يتأثر بالقرآن. وتعالوا لنرى وصف حالنا الآن في عدم التأثر بالقرآن!! فعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ:” سَيَبْلَى الْقُرْآنُ فِى صُدُورِ أَقْوَامٍ كَمَا يَبْلَى الثَّوْبُ فَيَتَهَافَتُ، يَقْرَءُونَهُ لاَ يَجِدُونَ لَهُ شَهْوَةً وَلاَ لَذَّةً، يَلْبَسُونَ جُلُودَ الضَّأْنِ عَلَى قُلُوبِ الذِّئَابِ، أَعْمَالُهُمْ طَمَعٌ لاَ يُخَالِطُهُ خَوْفٌ إِنْ قَصَّرُوا قَالُوا: سَنَبْلُغُ، وَإِنْ أَسَاءُوا قَالُوا: سَيُغْفَرُ لَنَا، إِنَّا لاَ نُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئاً.”.(سنن الدارمي وإسناده صحيح موقوفًا على معاذ).
فعليكم تدبر القرآن في شهر القرآن ؛ وذلك امتثالًا لقوله تعالى: { أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ } [ النساء: 82]؛ وعليك أن تحضر قلبك عند قراءة القرآن، كلما قرأت آية تعرض نفسك عليها أين أنت منها ؟! فهذا التابعي الجليل الأحنف بن قيس – رحمه الله – كان يقرأ قوله تعالى:{ لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} (الأنبياء: 10)؛ أي فيه أخباركم وصفاتكم وأفعالكم، يقول: فأفتح القرآن وأنظر وأقول: أرى بماذا يذكرني ربي اليوم؟!!.. فيقرأ ويقرأ حتى يمر بقوله تعالى:{ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ } (النساء: 145}، فيقول: لست من هؤلاء، لست من هؤلاء!! وعندما يقرأ قوله تعالى:{ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}(الأنفال:2). فيندم ويقول: لست من هؤلاء! ويقرأ قوله تعالى:{ وَآَخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآَخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ }(التوبة: 102) فيقول: أنا من هؤلاء، أنا من هؤلاء!
فانظر إلى تفاعل هذا التابعي الجليل مع القرآن العظيم، وهكذا يجب أن يتدبر المسلم القرآن دائمًا.
عباد الله: تدبر القرآن أن تعرض نفسك على القرآن آية آية أين أنت منها؟ هل أنت مطبق لها؟ هل وصف الله للمؤمنين ينطبق عليك؟! فإن وجدت خيرًا فاحمد الله وإلا فراجع نفسك قبل فوات الأوان! قال الحسن: إنما أنزل القرآن ليتدبره المؤمنون وليعملوا به، فاتخذوا تلاوته عملًا ؛ ولذلك كان الصالحون يقومون الليل يتدبرون القرآن؛ فكان منهم من يقوم بآية واحدة يرددها طيلة الليل يتفكر في معانيها ويتدبرها؛ ولم يكن همهم مجرد ختم القرآن؛ بل القراءة بتدبر وتفهم.. فعن محمد بن كعب القُرَظِي قال: “لأن أقرأ في ليلتي حتى أصبح بـ(إذا زلزلت) و(القارعة) لا أزيد عليهما، وأتردد فيهما، وأتفكر أحبُّ إليَّ من أن أَهُذَّ القرآن (أي أقرأه بسرعة)”. وكان ابن عباسٍ رضي الله عنهما يقول: “ركعتان في تفكرٍ خيرٌ من قيام ليلة بلا قلب”!!
رابعًا: العمل بالقرآن
وهذا هو أهم واجباتنا نحو القرآن – ولا سيما في شهر القرآن – أن نعمل بكل ما جاء في القرآن ونتخلق بأخلاقه؛ اقتداءً بنبينا صلى الله عليه وسلم الذي: “كان خلقه القرآن”، ( مسلم ). فكان صلى الله عليه وسلم قرآنًا يمشي على الأرض؛ أي كان يحرص على تطبيق ما في القرآن؛ لأن القرآن الكريم نزل للعمل به؛ لا ليوضع على الرفوف أو يلف في حافظة من ذهب للذكرى؛ أو يعرض في المتاحف بطبعة فاخرة باهرة؛ يقول الفضيل – رحمه الله –: “إنما نزل القرآن ليُعمل به فاتخذ الناس قراءته عملًا. قيل: كيف العمل به؟ قال: ليحلوا حلاله، ويحرموا حرامه، ويأتمروا بأوامره، وينتهوا عن نواهيه، ويقفوا عند عجائبه”. ولقد اهتم الصحابة بالعمل بالقرآن أيما اهتمام؛ يقول عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: كنا نتعلم العشر آيات من القرآن فلا ندعها حتى نعمل بها – أو فلا نجاوزها إلى غيرها حتى نعمل بها – فتعلمنا العلم والعمل جميعًا؛ فالصحابة كان يفقهون آيات القرآن ويعيشون معها ؛ وكانوا يسارعون إلى طاعة أوامر الله عزّ وجلّ واجتناب نواهيه.. ولهذا لما نزلت آيات النهي عن شرب الخمر سكب المسلمون ما عندهم من أواني الخمر حتى امتلأت بها سكك المدينة، أي شوارعها وطرقاتها وقالوا: انتهينا يا ربنا. وكذلك آيات الحجاب لما نزلت سارعت نساء الأنصار إلى أثوابهنّ وجعلن منها حجابًا كما أمر الله تعالى.
أيها المسلمون: انظروا كيف تعامل الصحابة الكرام مع القرآن الكريم ؟! وكيف يتعامل معه المسلمون اليوم ؟! يصور حالنا اليوم في العمل بالقرآن الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فيقول: ” إنا صَعُبَ علينا حفظ ألفاظ القرآن، وسَهُلَ علينا العمل به، وإن مَنْ بعدنا يسهل عليهم حفظ القرآن ويصعب عليهم العمل به.” ( الجامع لأحكام القرآن) ؛ فكلنا نحفظ القرآن ونسمعه حرفًا حرفًا ؛ ونتفنن في أسئلة الآيات المتماثلات والمتشابهات منه ؛ ولكن هل طبقنا ما فيه من قيم وأخلاق؛ وحلال وحرام؛ وأوامر ونواهي؟!! ” .
أحبتي في الله: أحذركم وأحذر نفسي من العواقب الوخيمة لمن لا يعمل بالقرآن!! فعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي فَأَخْرَجَانِي إِلَى أَرْضٍ مُقَدَّسَةٍ؛ فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُضْطَجِعٍ عَلَى قَفَاهُ؛ وَرَجُلٌ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِهِ بِفِهْرٍ أَوْ صَخْرَةٍ فَيَشْدَخُ بِهِ رَأْسَهُ؛ فَإِذَا ضَرَبَهُ تَدَهْدَهَ الْحَجَرُ؛ فَانْطَلَقَ إِلَيْهِ لِيَأْخُذَهُ؛ فَلَا يَرْجِعُ إِلَى هَذَا حَتَّى يَلْتَئِمَ رَأْسُهُ وَعَادَ رَأْسُهُ كَمَا هُوَ؛ فَعَادَ إِلَيْهِ فَضَرَبَهُ. قُلْتُ مَنْ هَذَا؟ قَالَا هَذَا رَجُلٌ عَلَّمَهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ فَنَامَ عَنْهُ بِاللَّيْلِ وَلَمْ يَعْمَلْ فِيهِ بِالنَّهَارِ يُفْعَلُ بِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.” (البخاري)؛ ومعنى تدهده الحجر: تدحرج بسرعة؛ وأترك لكم التعليق!!!
اللهم اجعلنا من أهل القرآن ؛ واجعله شفيعًا لنا في الآخرة………..آمين
الدعاء،،،،،،، وأقم الصلاة،،،،، كتبه : خادم الدعوة الإسلامية
د / خالد بدير بدوي
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف